منقول من مجلة زاد المسلمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الصحابية الجليلة أم سُليم بنت ملحان وهي أيضا أنصارية من بني النجار كانت من المجاهدات في سبيل الله حيث شهدت مع النبي -عليه الصلاة والسلام- العديد من الغزوات، وكانت متزوجة من مالك بن النضر أبي أنس في الجاهليّة، فولدت له أَنس بن مالك، فلما جاء الله بالإسلام أسلمت مع قومها، وعرضت الإسلام على زوجها، فغضب عليها، وخرج إلى الشّام، فهلك هناك، ثم بعد ذلك تقدم لخطبتها أبي طلحة الأنصاريّ، وقد كان غير مسلم فقد ورد في سنن النَّسائي وهذه الرواية قد ذكرها أمير المؤمنين في خطبته التي تحدث بها عن الصحابي أبي طلحة: روى أنس بن مالك، أنه قال: خطب أبو طلحة أمَّ سُليم، فقالت: يا أبا طلحة، ما مثلُك يٌردّ، ولكنك امرؤٌ مشرك، وأنا امرأةٌ مسلمة لا يحل لي أن أتَزَوَّجَك، فإن تُسْلِم، فذلك مَهْري لا أسألك غيره، فأسلم، فكان ذلك مهرها، قال ثابت رضي الله عنه: فما سمعت بامرأة كانت أكرم مهرًا من أم سُلَيم.
شجاعتها:
قال أنس رضي الله عنه: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ حُنَيْنٍ: مَنْ قَتَلَ كَافِرًا فَلَهُ سَلَبُهُ. فَقَتَلَ أَبُو طَلْحَةَ يَوْمَئِذٍ عِشْرِينَ رَجُلًا وَأَخَذَ أَسْلَابَهُمْ. وَلَقِيَ أَبُو طَلْحَةَ أُمَّ سُلَيْمٍ وَمَعَهَا خِنْجَرٌ فَقَالَ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ: مَا هَذَا مَعَكِ؟ قَالَتْ: أَرَدْتُ وَاللَّهِ إِنْ دَنَا مِنِّي بَعْضُهُمْ أَبْعَجُ بِهِ بَطْنَه.ُ فَأَخْبَرَ بِذَلِكَ أَبُو طَلْحَةَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ.
ونذكر أيضا كرمَها وعدم ترددها في إعطاء كل ما في بيتها لرسول الله ومن معه وهناك حادثة تدل على ذلك..يروى عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ قَالَ أَبُو طَلْحَةَ لِأُمِّ سُلَيْمٍ لَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ضَعِيفًا أَعْرِفُ فِيهِ الْجُوعَ فَهَلْ عِنْدَكِ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالَتْ نَعَمْ فَأَخْرَجَتْ أَقْرَاصًا مِنْ شَعِيرٍ ثُمَّ أَخْرَجَتْ خِمَارًا لَهَا فَلَفَّتْ الْخُبْزَ بِبَعْضِهِ ثُمَّ دَسَّتْهُ تَحْتَ يَدِي وَلَاثَتْنِي بِبَعْضِهِ ثُمَّ أَرْسَلَتْنِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَذَهَبْتُ بِهِ فَوَجَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فِي الْمَسْجِدِ وَمَعَهُ النَّاسُ فَقُمْتُ عَلَيْهِمْ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ آرْسَلَكَ أَبُو طَلْحَةَ؟ فَقُلْتُ نَعَمْ قَالَ بِطَعَامٍ فَقُلْتُ نَعَمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِمَنْ مَعَهُ قُومُوا فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقْتُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ حَتَّى جِئْتُ أَبَا طَلْحَةَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ قَدْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالنَّاسِ وَلَيْسَ عِنْدَنَا مَا نُطْعِمُهُمْ فَقَالَتْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَانْطَلَقَ أَبُو طَلْحَةَ حَتَّى لَقِيَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَبُو طَلْحَةَ مَعَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ هَلُمِّي يَا أُمَّ سُلَيْمٍ مَا عِنْدَكِ فَأَتَتْ بِذَلِكَ الْخُبْزِ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَفُتَّ وَعَصَرَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ عُكَّةً فَأَدَمَتْهُ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِيهِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ ثُمَّ قَالَ ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا ثُمَّ قَالَ ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا ثُمَّ قَالَ ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا ثُمَّ قَالَ ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ فَأَكَلَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ وَشَبِعُوا وَالْقَوْمُ سَبْعُونَ أَوْ ثَمَانُونَ رَجُلًا.
وأيضا كانت رؤوفة بزوجها فعن أَنَس بْن مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ اشْتَكَى ابْنٌ لِأَبِي طَلْحَةَ فَمَاتَ وَأَبُو طَلْحَةَ خَارِجٌ .. فَلَمَّا جَاءَ أَبُو طَلْحَةَ قَالَ كَيْفَ الْغُلَامُ قَالَتْ أم سليم قَدْ هَدَأَتْ نَفْسُهُ. ثم قدمت له العشاء فأكل. فباتا ثم أخبرته أن الصبي قد مات فادفنه. فلما أصبح أخبر النبيَّ ﷺ بما حدث، فدعا له النبي ﷺ أن الله سيرزقه من ليلة أمس الولد فولد له بالفعل ابن. وقد ذكر أمير المؤمنين في خطبة الجمعة يوم 31 يناير/كانون الثاني من هذا العام 2020 هذه القصة كما ذكرها سيدنا المصلح الموعود (رضي الله عنه وقال): قد ورد في الأحاديث قصة الصحابية أمِّ سليم أن النبي ﷺ قد بعث زوجها أي أبا طلحة لإنجاز خدمة إسلامية خارج المدينة، وكان ولدُه مريضًا وكان بالطبع قلقًا عليه، فلما عاد كان ابنه قد مات في غيابه، فالأم ألقت الثوب على ابنها الميت، واغتسلت وتعطرت واستقبلت زوجها بهمة عالية، فلما دخل الصحابي البيت سأل عن الولد فورا فقالت له قد هدأت نفسُه تماما. فأكلا ثم ناما على السرير باطمئنان وحدث بينهما ما حدث. بعد هذا قالت له زوجته، أريد أن أسألك أمرا، فقال عن ماذا؟ قالت إذا قدّم أحد شيئا لصاحبه أمانةً ثم أراد أن يستعيده فهل يعاد إليه ذلك الشيء أم لا؟ فقال أي غبي لا يعيد الأمانة؟ فقالت: على الأقل سوف يحزن على إعادة الأمانة. فقال على ماذا الحزن؟ إذ لم يكن ذلك الشيء له، وما مبرر الحزن على إعادة الشيء إلى صاحبه؟ عندها قالت: إذن فالصبي الذي كان أمانةَ الله عندنا قد استعاده الله.
أنس بن مالك خادم رسول الله فقد روى أنس بنفسه وقال: قدم النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم المدينة وأنا ابن عشر سنين، فأتت أمي أم سليم بي النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لما قدم. وقالت له: هذا أنس غلام يخدمك، فقبله رسول اللهﷺ وفي رواية أيضا عن أنس: جاءت بي أم سليم إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وأنا غلام، فقالت: يا رسول اللَّه، أنس ادعُ اللَّه له فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: «اللَّهمّ أكثر ماله وولده وأدخله الجنّة» وفي رواية أخرى مؤثرة جدا وردت في صحيح مسلم عن أنس أيضا قال: جَاءَتْ بِي أُمِّي أُمُّ أَنَسٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ أَزَّرَتْنِي بِنِصْفِ خِمَارِهَا وَرَدَّتْنِي بِنِصْفِهِ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا أُنَيْسٌ ابْنِي أَتَيْتُكَ بِهِ يَخْدُمُكَ فَادْعُ اللَّهَ لَهُ . فَقَالَ: “اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ ”. قَالَ أَنَسٌ فَوَاللَّهِ إِنَّ مَالِي لَكَثِيرٌ وَإِنَّ وَلَدِي وَوَلَدَ وَلَدِي لَيَتَعَادُّونَ عَلَى نَحْوِ الْمِائَةِ الْيَوْمَ.
ورد في سنن النَّسائي: أن النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قال “رَأَيْتُنِي دَخَلْتُ الْجَنَّةَ، فَإِذَا أَنَا بِالرُّمَيْصَاءِ امْرَأَةِ أَبِي طَلْحَةَ” والرميصاء كان لقب أم سليم وقيل الغميصاء أيضا وفي رواية مسلم “دخلتُ الجنّة فسمعت مشية بين يديّ، فإذا أنا بالغميصاء بنت ملحان» وأيضا ورد عنها أنها قالت لقد دَعَا لي رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم حتى ما أُرِيد زيادة. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورهم في بيتهم ويصلي فيه النوافل ويدعو لهم كثيرا وعن هذا ورد عَنْ أَنَسٍ أن النبي كان يختلط معنا، فكان يقول لأخي الصغير مزاحا يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ. فكان أبو عمير قد ربى عصفورا، فمات يوما فحزن عليه، فكان حضرته ﷺ يضاحك الطفل. وكان يحدث عادة أنه ﷺ إذا كان في بيتنا وحانت الصلاة أمرَنا بأن نبسط الفراش الذي كان يجلس عليه، فكنا ننظفه ونسويه ونبسطه ثم كان يقوم للصلاة وكنا نصلي خلفه.
شهدت يوم حُنَينْ وهي حامل بعبد الله بن أَبِي طَلْحة، وشهدت قبل ذلك يوم أُحُد تسقي العَطْشَى، وتداوي الجرحى. وقد روت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى عنها ابنها أنس وقد توفيت زمن خلافة معاوية.