أيها الأعزة، إني دعوت قومي ليلا ونهارا، فلم يزدهم دُعائي إلا فرارا، ثم إني دعوتهم جهارا، فقلت استغفروا ربكم واستخيروا واستخبروا، وادعوا الله في أمري… فما سمعوا كلمتي، وأعرضوا عتوّا واستكبارا، ورضوا بأن يكونوا لإخوانهم مكفرين.
ولستُ أرى أن الأحاديث كلها موضوعة على التحقيق، بل بعضها مبنية على التلفيق، ومع ذلك فيها اختلافات كثيرة، ولأجل ذلك افترقت الأمة، فمنهم حنبلي وشافعي، ومالكي وحنفي، وحزب المتشيّعين.
وقد بعثني الله فيهم حكما فما عرفوني وحسبوني من الملحدين. آذوني بحصائد ألسنتهم، ورأيت منهم ظلما وهضما كثيرا، ولكن عصمني الله من شرورهم وهو خير العاصمين.
ثم قلت: أيها العلماء، أروني نصوص كتاب الله لأوافقكم، وأروني أثر رسوله ص لأرافقكم، فإني ما أجد في كتاب الله وآثار رسوله ص إلا موت المسيح بن مريم، فأروني خلاف ذلك إن زعمتموني من الكاذبين.
الإيمان نور البشرية، ونور الإيمان عرفان، ومن فقدهما فهو دودة لا إنسان.
والآن أيها الأعزة، أبين لكم بعض حلمي ومكاشفاتي:
رأيت في منام كأني صرت عليًّا ابن أبي طالب رضي الله عنه، والناس يتنازعوني في خلافتي، وكنت فيهم كالذي يُضام ويُمتهن ويغشاه أدران الظنون وهو من المبرّئين. فنظر النبي ص إلي.. وكنت أخال نفسي أنني بمنزلة الأبناء وهو من آبائي المكرمين. فقال وهو متحنن: ” يا علي.. دَعْهم وأنصارهم وزراعتهم”. فعلمت في نفسي أنه يوصيني بصرف الوجه من العلماء وترك تذكرهم والإعراض عنهم وقطع الطمع والحنين من إصلاح هؤلاء المفسدين. فإنهم لا يقبلون الإصلاح، فصرف الوقت في نصحهم في حكم إضاعة الوقت.
ورأيت أنه يحبّني ويصدّقني، ويرحم عليّ ويشير إلي أن عكّازته معي وهو من الناصرين.
ورأيت في منام كأني قائم في موطن وفي يدي سيف مسلول، قائمه في أكفي وطرفه الآخر في السماء، وله برق ولمعان، يخرج منه نور كقطرات متنازلة حينا بعد حين. وإني أضرب السيف شمالا وجنوبا، وبكل ضربة أقتل ألوفا من أعداء الدين.
ورأيت في تلك الرؤيا شيخا صالحا اسمه عبد الله الغزنوي، وقد مات من سنين، فسألته عن تأويل هذه الرؤيا، فقال: أما السيف فهي الحجج التي أعطاك الله ونصرك بالدلائل والبراهين. وأما ضربك إياه شمالا وجنوبا فهو إراءتك آيات روحانية سماوية وأدلة عقلية فلسفية للمنكرين. وأما قتل الأعداء فهو إفحام المخاصمين، وإسكاتهم منها. هذا تأويل رؤياك وأنت من المؤيدين. وقد كنت في أيامي التي كنت في الدنيا أرجو وأظن أن يخرج رجل بهذه الصفات، وما كنت أستيقن أنه أنت وكنتُ عن أمرك من الغافلين.