بسم الله الرحمن الرحيم
هل العفو عن المخطئ يجوز دائما؟
وهل الصفح عن المسيء جائز دائما ومثمر؟
وماذا عمّن يسيء إلى النظام الرباني؛ هل نتسامح معه بعذر المحبة لخلق الله؟
يجيب حضرة الإمام المهدي عليه السلام عن هذه الأسئلة في فقرة تسمى فقرة العفو من كتابه فلسفة تعاليم الإسلام.
- الخُلق الأول هو العفو عن صاحب الذنب، فالذي يصفح عن المسيء إليه إنما يصله بخير ذلك أن من يرتكب خطأ بحق أحد يستحق به أن يعاقب بقدر الضرر الذي الحقه بالغير كأن يُسجن أو يدفع غرامة أو أن ينتقم منه الآخر بيده هو ولكنه لو عفا عنه بشرط أن يكون العفو مناسبا لكان هذا بمثابة إيصال الخير أليه.
ويرشدنا القرآن الكريم إلى هذا الخُلق بقول الله تعالى: (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس) (آل عمران 135) وقوله تعالى: ( وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله) (الشورى 41). أي أن أهل البر هم أولئك الذين يمسكون عن الغضب عندما يتطلب الموقف منهم ذلك ويغفرون للناس عندما يقتضي منهم الحال هذا، وإذا عاقبوا المعتدي كان عقابهم بمثل ما اعتدي عليهم.
2. القاعدة في العقوبات أن السيئة جزاؤها سيئة مثلها فمن عفا عن ذنب أحد عفوا يترتب عليه إصلاح ولا يؤدّي إلى مزيد من الشر أي يكون عفوا في محله تماما فإنه يُثاب على ذلك.
يتضح من ذلك أن القرآن المجيد لا يأمرنا بترك مقاومة الشر وعدم معاقبة الأشرار والظالمين في كل الأحوال وبدون أي داع لذلك، كلا بل يرشدنا أن نتبين ما إذا كان الموقف يقتضي العفو أم العقوبة وما هو الأنفع في الحقيقة للمجرم وكذلك لعامة الخلائق فأحيانا يدفع العفو المجرم إلى التوبة وأحيانا أخرى يشجعه العفو على المزيد من الإجرام ولذلك يأمرنا الله تعالى ألا نعتاد العفو الأعمى بل يجب أن نتبين موضع الخير الحقيقي أهو في العفو أم في العقاب ثم نحكم بما يوافق الحال والمقام.
3. إننا إذا استقرأنا أخلاق البشر تبين لنا أنه كما يكون بعضهم حقودا بحيث إنه لا ينسى أحقاد آبائه كذلك يكون من بينهم من يبالغ جدا في العفو والصفح حتى أن هذا العفو المفرط يؤدي بهم أحيانا إلى الديوثية ويصدر عنهم باسم الحلم والعفو والتغاضي ما يخجل الإنسان وما ينافي تماما الحمية والغيرة والعفة بل يكون وصمة عار على سيرة الإنسان حتى يتبرأ منه الناس ويلعنوه، ونظرا إلى مثل هذه المفاسد فإن القرآن المجيد اشترط لكل خلق بأن يكون في محله ويصدر بحسب المقتضى ولم يقبل من الأخلاق ما يصدر في غير محله.
4.تذكروا أن العفو المجرد عن هذه الشروط لا يجوز تسميته خُلقا لأنه قوة طبعية توجد في الطفل أيضا أفلا ترون أن الطفل إذا أصابه أحد بإصابة ولو كانت بقصد الإيذاء نسيها بعد قليل وأقبل على من أذاه بكل حب وشوق؟ بل حتى لو كان قد نوى قتله فإنه يرضى عنه بعدئذ بحديث حلو منه فعفوه هذا ليس من الأخلاق في شيء أبدا، كلا إن هو إلا قوة طبعية تصدر عنه تلقائيا وإنما تدخل هذه في عداد الأخلاق إذا استعملناها في محلها وقليل هم الذين يستطيعون أن يفرقوا بين القوة الطبعية والخلق ولقد بينا مرارا أن الفرق بينهما هو أن الخلق الحقيقي يستلزم دائما مراعاة الحال والمقتضى، وأما القوة الطبعية فهي تظهر في غير محلها أيضا وإلا فإننا نجد بين البهائم أن البقرة وديعة والشاة متواضعة ولكن بما أنها لم تمنح قوة التمييز فلا يمكن أن نقول بأنها متصفة بهذه الأخلاق.
إذن فحكمة الله البالغة وكتابه الحق الكامل قد قيّدا كل خلق بشرط استخدامه في الموضع اللائق.
بقلم: سهاج محمود
