

السلام عليكم، أيها الأتقياء الأصفياء، من العرب العرباء. السلام عليكم، يا أهل أرض النبوة وجيران بيت الله العظمى. أنتم خير أمم الإسلام وخير حزب الله الأعلى. ما كان لقوم أن يبلغ شأنكم. قد زدتم شرفًا ومجدًا ومنزلا. وكافيكم من فخر أن الله افتتح وحيه من آدم وختم على نبي كان منكم ومن أرضكم وطنًا ومأوًى ومولدا. وما أدراكم مَنْ ذلك النبي! محمد المصطفى، سيد الأصفياء وفخر الأنبياء، وخاتم الرسل وإمام الورى.
يا إخوان.. إني أكتب إليكم مكتوبي هذا بكبد مرضوضة، ودموع مفضوضة، فاسمعوا قولي، جزاكم الله خير الجزاء.
ومن أعظم المنن أنه جعلني لهذا العصر ولهذا الزمان إمامًا وخليفة، وبعثني على رأس هذه المئة مجددا، لأخرج الناس إلى النور من الدُّجى، وأنقلهم من طرق الغَيّ والفساد إلى صراط التقوى.
ومن الآية المباركة العظيمة أنه إذا وجد فساد المتنصّرين ورآهم أنهم يصدّون عن الدين صُدودا، ورأى أنهم يؤذون رسول الله ويحتقرونه، ويطرون ابن مريم إطراءً كبيرا، فاشتد غضبه غيرةً من عنده، وناداني وقال: (إني جاعلك عيسى ابن مريم)، وكان الله على كل شيء مقتدرا. فأنا غَيْرة الله التي فارت في وقتها، لكي يعلم الذين غَلَوا في عيسى أن عيسى ما تفرّد كتفرّد الله، وأن الله قادر على أن يجعل عيسى واحدًا من أمة نبيه، وكان هذا وعدًا مفعولا.
أيها الناس.. قد أعثرني الله على هذا السر وعلمني ما لم تعلموا، وأرسلني إليكم حكما عدلا، لأكشف عليكم ما كان عليكم مستترا. فلا تماروا ولا تجادلوا، وتدبروا في قوله: (يا عيسى إني متوفيك)، واقرؤوا هذه الآية إلى قوله:( يوم القيامة) ثم أمعنوا النظر يا أولي النهى! وانظروا كيف افتتح الله من وفاة المسيح، وذكر كل واقعة بترتيب طبعي تتعلق بعيسى، حتى اختتمها على يوم القيامة، ولم يذكر من نزول المسيح في هذه السلسة شيئًا، وما أحدث في هذا الأمر ذكرا. وما كان نزوله عند الله إلا نزول إرادته وتوجهاته على المظهر الذي قام مقامه وقرب به استعدادا ودنا.
وإن اشتقتَ أن تكتنه حقيقة هذا السر، وتطلع على أسباب على وجهٍ أظهر وأجلى، فأصغ أبين لك ما علمني ربي في هذا الأمر من أسرار الهدى. وهي أن الله وجد في هذا الزمان غلبة المتنصرين وضلالاتهم إلى الانتهاء، ورأى أنهم ضلوا وأضلوا خلقًا كثيرًا، ونجسوا الأرض بشركهم وكفرهم، وأكثروا فيها الفساد، وأشاعوا في الناس كذبهم، وفريتهم وتلبيساتهم، وفتحوا أبواب المعاصي والهوى… وقد كان وعده إرسال المسيح عند تطاول فتنة الصليب وغلبة الضلالات العيسائية، وإن كنتم في شك مما قلنا فتدبروا في قول نبيه.. أعني قوله: ( يكسر الصليب)، يا أرباب النهى. وافتحوا أعينكم وانظروا نظرًا غامضًا إلى زمانكم وإلى قوم جاءوا بفتن عظيمة، ثم اشهدوا لله.. هل أتى وقت قدوم كاسر الصليب أو ما أتى؟
