الحمد لله الذي غلبت رحمته على غضبه في كل ما فعل وقضى، وسبقت أنواره على كل ليل اكْفَهَرَّ وسجى. هو الله الذي يأتي منه فوج اليسر مع كل عسرٍ عرا. يدعو إلى رحمته كل ورق يوجد على الأشجار، وكل برق يبرق في الأحجار، وكل اختلاف ترون في الليل والنهار، وكل ما في الأرض والسماء.
ومن آيات رحمته أنه أرسل الرسل، وبعث النُّذُر، وأسس عمارات الهدى. ومن آيات رحمته العظيمة.. البدر الذي طلع من أم القرى، في ليلة اسودت ذوائبها العظمى، فرفع الظلمات كلها، ووضع سراجًا منيرا أمام كل عين ترى.
أما بعد.. فاعلموا أيها الفقراء والزهاد.. ومشائخَ الهند وغيرها من البلاد.. الذين وقعوا في البدعات والفساد، أنني أمرت أن أبلغكم أحكام الدين، وأذكركم ما نسيتم من أسرار الشرع المتين. وقد ألهمني ربي في أمركم وقال: إنهم ينادَون من مكان بعيد. ويفعل ربي ما يشاء، وهو القاهر فوق القاهرين.
يا قوم .. اتقوا الله.. ولا تتبعوا أهواء قوم مبتدعين، واتبعوا الرسول النبي الأمي الذي هو رحمة للعالمين. واعلموا.. يا إخوان.. أني أرسلت محدَّثًا من الله إليكم، وإلى كل من في الأرض، فاتقوه ولا تحتقروا المرسلين. واجتنبوا الرجس من البدعات، وإياكم والمحدَثات، وكونوا عباد الله الصالحين.
يا قوم.. إنّي عبد الله.. مَنّ عليّ برحمة من عنده، وعلّمني من لدنه علم الأولين. وأرسلني على رأس هذه المائة، لأنذر قومًا ما أنذر آباؤهم، ولتستبين سبيل المجرمين. هو ناداني وقال قل لعبادي: إنني أمرت وأنا أول المؤمنين. وسماني باسم يناسب اسم قوم.. أرسلت لإفحامهم وإلزامهم.. وهم قوم المتنصّرين، الذين علَوا في الأرض، واستضعفوا أهل الحق، وزينوا الباطل ليدحضوا به الحق، وكانوا قومًا مسرفين. وأهلكوا كثيرًا من الناس بتلبيساتهم، وجمحوا في جهلاتهم، وقلّبوا للإسلام أمورًا، وجذبوا الناس إلى خزعبلاتهم، وجاءوا بسحر مبين.
فناداني ربي من السماء.. أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا، وقم وأنذر فإنك من المأمورين، لتنذر قومًا ما أنذر آباؤهم، ولتستبين سبيل المجرمين. إنا جعلناك المسيح بن مريم، لأتم حجتي على قوم متنصّرين. قل هذا فضل ربي، وإني أجرِّد نفسي من ضروب الخطاب، وأمرتُ من الله وأنا أول المؤمنين.
إن الله وتر يحب الوتر، ولأجل ذلك استمرت سنته أنه يرسل بعض الأولياء على قدم بعض الأنبياء، فمن بعث على قدم نبي يسمى في الملأ الأعلى باسم ذلك النبي الأمين، ويُنزل الله عليه سرَّ روحه، وحقيقة جوهره، وصفاء سيرته.
ألا تقرؤون في أحاديث المصطفى.. سلم الله عليه وصلى.. أن المسيح يكون أحدًا من أمته، ويتبع جميع أحكام ملته، ويصلي مع المصلين. وقد ملئ القرآن من آياتٍ تشهد كلها على أن المسيح ابن مريم قد تُوفي، ولحق بإخوانه إبراهيم وموسى، وأخبر بوفاته رسول الله ص وهو أصدق المخبرين. ألا تقرؤون في القرآن: (يا عيسى إني متوفيك)، (فلما توفيتني)؟ ألا تقرؤون: (ما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل)؟ ألا تقرؤون في صحيح الإمام البخاري: متوفيك: مُميتك؟ فما بقي بعد هذه الشهادات محل شك للمشككين. وبأي حديث تؤمنون بعد آيات رب العالمين؟
يا متصوفي الهند.. إن أهل الصلاح منكم قدر قليل، وأكثركم مبتدعون. وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى.. يقولون آمنا بالقرآن، ولا يؤمنون به، ويقولون نتبع السُنن، ولا يتبعونها، وهم إلى طريق الغي منقلبون.
وإن كنتم في ريب مما أُمرت به فتأهبوا للنضال، واستعدوا لإراءة آيات الكمال وصدق الحال، من الله ذي الجلال.. اعلموا أن الولاية كلها في إجابات الدعاء، ولا معنى للولاية إلا القبولية في حضرة الكبرياء.
إني جئت لإعلاء كلمة الإسلام وأنتم تخالفون، وأريد أن أجدد دين الله وأنتم تزاحمون.
أما اللعنة فللذين يكذبونني باتباع الظن، ويكفرونني رجمًا بالغيب، ولا يعلمون الحقيقة ولا يتدبرون.
وأما البركة.. فللذين يسمعون كلامي، ويرون آياتي، ويظنون بأنفسهم خيرًا، ويقبلون الحق ولا يستكبرون.