ما زلت مذ أُمرتُ من حضرة الرب، وأُحييت من الحي ذي العجب، أَحِن إلى عيان أنصار الدين، ولا حنينَ العطشان إلى الماء المعين.
فلما تواتر رفع يد الدعوات، وامتلأ منه جوّ السماوات، أجيب تضرعي، وفارت رحمة رب العالمين. فأعطاني ربي صديقا صدوقا، هو عين أعواني، وخالصة خُلصاني، وسلالة أحبائي في الدين المتين. اسمه كصفاته النورانية نور الدين. هو بَهيروي مولدا وقُرشي فاروقي نسبا، من سادة الإسلام ومن ذرية النجيبين الطيبين. فوصلتُ بوصوله إلى الجَذْل المفروق، واستبشرت به كاستبشار السيد صلى الله عليه وسلم بالفاروق، ولقد أُنسيتُ أحزاني، مذ جاءني ولقّاني، ووجدته في سبيل نصرة الدين من السابقين.
ولما جاءني ولاقاني ووقع نظري عليه، رأيته آية من آيات ربي، وأيقنت أنه دعائي الذي كنت أداوم عليه.
ومن آيات كماله أنه لما رأى جروح الإسلام، ووجده كالغريب المستهام، أو كشجر أُزعج من المقام، أشعرَ همّا، وانكدر عيشه غمّا، وقام لنصرة الدين كالمضطرين.
وصنف كتبا احتوت على إفادة المعاني الوافرة، وانطوت على الدقائق المتكاثرة، ولم يسمع مثلها في كتب الأولين. عباراتها مع رعاية الإيجاز مملوّة من الفصاحة، وألفاظها في نهاية الرشاقة والملاحة.
ولا شك أنها جامعة ما تفرق في غيرها من الفوائد، فاقت ما عداها لكثرة ما حولها من الشوارد والزوائد، ولجذب القلوب بحبال الأدلة والبراهين. طوبى لمن حصّلها وعرفها وقرأها بإمعان النظر.
لا ريب في أنه نخبة المتكلمين، وزبدة المؤلفين. يشرب الناس من عُباب زُلاله، ويُشترى كشراب طهور قوارير مقاله، هو فخر البررة والخَيرة وفخر المؤمنين. في قلبه أنوار ساطعة من اللطائف والدقائق، والمعارف والحقائق، والأسرار وأسرار الأسرار ولمعات الروحانيين.
والفاضل النبيل الموصوف من أحب أحبائي، وهو من الذين بايعوني وأخلصوا معي نية العقد، وأعطوني صفقة العهد، على أن لا يؤثروا شيئا على الله الأحد، فوجدته من الذين يراعون عهودهم ويخافون رب العالمين.
قد جعله الله من الذين ذوي الأيدي والأبصار، وأودع كلامه من حلاوة طلاوة لا يوجد في غيره من الأسفار.
إني أرى الحكمة قد فاضت على شفتيه، وأنوار السماء قد نزلت لديه، وأرى تواتر نزولها عليه كالمتضيفين. كلما توجه إلى تأويل كتاب الله بجمع الأفكار، فتح ينابيع الأسرار، وفجر عيون اللطائف، وأظهر بدائع المعارف، التي كانت تحت الأستار.
رب، كتبت هذا المكتوب بقوتك وحولك ونفحات إلهامك، فالحمد لك يا رب العالمين. أنت محسني ومنعمي، وناصري وملهمي، ونور عيني، وسرور قلبي، وقوة إقدامي…أعوذ بك من آفات الأرض والسماء، ومن كل حاسد صوّاغ باللسان، ومن كل لسان سليط، وغيظ مستشيط، ومن كل من يكون من المسيرة إليك من المانعين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.