أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)
حث الدين الحنيف الإنسان على التحلي بالصفات والأخلاق الحميدة، كالأمانة، والصدق والعطف على الآخرين وغيرها من الصفات، التي تجعل من الإنسان شخصاً متميزاً ومحبوباً عند الآخرين، ومن أهم هذه الصفات صفة الأمانة، والتي تعد حجر الأساس الذي تبنى عليه حياة الإنسان السليمة، فالإنسان الأمين يكسب ثقة الآخرين به، وقد وردت العديد من الأدلة الشرعية التي تحث على التحلي بصفة الأمانة كقوله تعالى:” إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) “.
فصفة الأمانة وجدت في أعظم شخصية في التاريخ، وهو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، حيث لقب بالصادق الأمين، ويتجلى ذلك من خلال تعامله مع الآخرين، حيث كان يعمل في التجارة ويؤمنه الناس على أموالهم وحلالهم، فهو خير قدوة يقتدى بها.
فالأمانة هي من صفات المُؤمنين، فلا يُمكن أن نجد مُؤمناً خائناً، فإيمانه يُحتم عليه بالفطرة أن يكون أميناً على كُل ما يمتلك، وفي كُل ما يقوم به، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ” لا إيمان لمن لا أمانة له”، فالخيانة أحد أشكال الكبائر التي سيُحاسب عليها صاحبها حساباً كبيراً، خاصة إن اعتدى على غيره بقولِ أو فعل.
تعدّ الأمانة أحد أشهر الأخلاق الّتي يجب أن يتحلّى بها المسلم باختلاف العصر الّذي يعيش فيه والظروف المحيطة به، فهي أحد أهمّ الصفات التي حثّ الإسلام عليها، فالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كان يسمّى الصادق الأمين من قبل البعثة وهو ما لم يتغير حتى بعد البعثة حتى في أحلك الظروف وأصعبها ومع الإيذاء الشديد الذي كان يتعرض إليه من أهل قريش، وهذا هو ما أدّى إلى تأمين الناس له حتّى بعد بعثته صلى الله عليه وسلم فكان حتّى المخالفون له في العقيدة والإسلام ومن يبغضونه يودعون أماناتهم عنده وهذا لشهرته بين الناس وتأكّدهم من أمانته.
ولا يمكن أن يكون الإسلام حثّ على صفةٍ معينةٍ أو أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم تحلّى بخلقٍ معينٍ إلّا إذا كان هذا الخلق ذو أهميّة عظيمة وكبيرة جداً للفرد والمجتمع بشكل عام، ففي البداية وهو الأمر الأهم، تؤدي الأمانة إلى رضى الله عزّ وجل، ومن رضي الله عنه كان أسعد السعداء، فقد حثّ الله عز ّوجل على الأمانة عن طريق الرسول صلّى الله عليه وسلم وفي القرآن الكريم أيضاً؛ إذ قال الله عزّ وجل:” إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا”، فالأمانة هي من أهمّ الأخلاق للمسلم وهي الّتي أدّت إلى حمله رسالة الإسلام، إذ إنّ الله عزّ وجل ائتمن الرسول عليه الصلاة والسلام على رسالة الإسلام وذلك لأمانته، فكان صلّى الله عليه وسلم أميناً في حمله لرسالة الإسلام، وهذا هو ما أدّى إلى وصولها إلى أيدينا، وكذلك الأمر في الوقت الحالي، فإنّ الله عز وجل لن يقوم بتأمين رسالة الإسلام بين أيدي من يفتقرون الأمانة وهو ما نلاحظه في الواقع للأسف الشديد، وهو ما أدّى إلى تراجع المسلمين بين الأمم وابتعادهم عن الرسالة التي بعثوا بها.
إلى أن جاء سيدنا الميسح الموعود عليه السلام الخادم الصادق للرسول محمد (ص) وحمل الأمانة من بعده.
أمّا الأمانة في المجتمع فهي أساسه، فكلمة الأمانة في الأساس مشتقّة من كلمة الأمن، ولا يمكن لمجتمع مهما كان التطوّر حاصلاً فيه أن يقوم من دون الأمن أو الأمانة وهي ما تمثّل الأمن المجتمعي، فكيف للنّاس أن يقوموا بتكوين مجتمعٍ متلاحمٍ مع بعضهم البعض إذا كانوا لا يستطيعون التأمين لبعضهم البعض، فالأمانة ليست فقط أمانة المال، ولكن يجب أن يكون الإنسان قادراً على التأمين لباقي أفراد وطنه ومجتمعه حتّى على روحه، وهو ما يؤدّي إلى نجاح الأمم العظيمة، هذا بالإضافة إلى فوائد الأمانة على النفس؛ إذ إنّها تساعد على التصالح مع الذات والرّضا عن النفس.
إن الإنسان الأمين يحبه الله – تعالى – ويرضى عنه، كما يحبه رسوله- صلى الله عليه وسلم .
وقد أعد الله – تعالى – للإنسان الأمين منزلة عظيمة في الآخرة، وهى جنة الفردوس أعلى مراتب الجنة، قال تعالى :
“وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11
إن انتشار الأمانة تزيد الثقة والطمأنينة بين أفراد المجتمع، كما إنها تقوى المحبة والأخوة والتعاون بيننا.
والأمين يحبه الناس ويحترمونه، ويتعاملون معه، ويثقون به، أما غير الأمين فإنهم يبتعدون عنه، وقد حذرنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من أن نكون غير أمناء فنصبح من ضعفاء الإيمان أو المنافقين فقال: آية المنافق ثلاث، إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان.
وقال أيضًا: لا إيمانَ لِمَن لا أمانةَ له، ولا دِينَ لِمن لا عهدَ له.
فعلينا أن نتخذ النبي- صلى الله عليه وسلم- قدوة لنا في كل أمورنا، فقد رأيناه- صلى الله عليه وسلم- حريصًا على رد الحقوق إلى أهلها.
اللهم ارزقنا الصدق واجعلنا ممن صدقوا الله ورسوله، آمين.
بقلم : سهاج محمود
