يظن عامة الناس أن الشهيد إنما هو من مات في قتال أو مات غرقًا في نهر أو مات بوباء وما شابه ذلك، لكنني أقول بأن الاكتفاء بهذا المعنى فقط وحصر الاستشهاد في ذلك بعيدٌ عن شأن المؤمن.

أما الشهيد في الحقيقة من ينال من قوة الاستقامة والسكينة من عند الله تعالى فلا تزعزعه أي زلزلة أو حادثة، بل يبقى صامدًا أمام المصائب والشدائد حتى إنه لو لم يجد بدًا من أن يجود بحياته في سبيل الله لنال صمودًا خارقًا للعادة وقدَّم رأسه بدون أي نوع من الحزن أو الحسرة، وتمنى أن ينال الحياة مرة بعد أخرى ليضحي بها مرارًا وتكرارًا، وتحظى روحه من اللذة والسرور بحيث إن كل سيف يقع على جسمه وكل ضربة تصيبه لتسحقه، تمنحُه حياةً جديدة ومسرة جديدة ونضارة جديدة. هذا هو معنى الشهيد.
ثم إن هذه الكلمة مشتقة من لفظة “الشَهْد” أيضًا، لأن الذين يشقّون على أنفسهم بالعبادة ويستعدّون لتحمل كل أنواع المرارة والعناء في سبيل الله، يجدون حلاوة كالشهد، وكما أن الشهد مصداق لقول الله تعالى {فيه شفاء للناس}، فإن هؤلاء أيضًا يكونون بمنزلة الترياق، والذين يجلسون في صحبتهم ينجون من أمراض كثيرة.
ثم إن الشهادة اسم للدرجة والمكانة التي إذا أحرزها الإنسان رأى اللهَ – سبحانه وتعالى – عند كل عمل، أو على الأقل يوقن بأن الله يراه، وهذا هو ما يُسمى إحسانًا أيضًا. (ملفوظات، مجلد أول 413).