منقول من مجلة زاد المسلمة
نحمد الله ونصلي ونسلم على عبده محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وخادمه الصادق سيدنا أحمد اﻹمام المهدي والمسيح الموعود عليه السلام.
ولدت في أسرة فلسطينية بسيطة تحب الدين من غير تشدد أو تعصب. وكان لأبي – حفظه الله وهداه – فضل كبير في تعلقي بالإسلام،كان يقص علينا قصص سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام وصحابته كثيراً في صغرنا، وكان يأخذنا معه إلى المسجد في يوم الجمعة ويعلق قلوبنا به.
لا أذكر أن أبي قال لي عن نزول سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام من السماء، إلا أنه قد قال لي يوماً إن المسيحيين ينتظرون عودته عليه السلام، وكذلك نحن المسلمين ننتظره في آخر الزمان، وكان يعطيني دلائل من القرآن في بعض الأحيان، ولم يخض قط في التفاصيل التي يصعب علينا استيعابها، فهذا كل ما قيل لي عن ذلك. بينما كان يقص علينا سيرة سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم- وأصحابه وبطولاتهم، وأحببت الرسول عليه الصلاة والسلام كثيرا.
كان ما يرويه أبي من الأدبيات الإسلامية يسير وسهل القبول إلا أن الحال ليس كذلك بالنسبة للمجتمع. فبينما كان أبي يتجنب الصعب غير المعقول والمختلَف فيه، كان لدى الناس الكثير من القصص قد تهضم بعضها وقد يتعسر على عقلك فهم بعضها الآخر إن كنت من العاقلين.
وعمي أيضاً – حفظه الله وهداه- يحب الدين جدا، يعرفه الجميع بتقواه وأخلاقه السامية، محبوب بين الجميع. كان أحيانا يعطينا دروسًا عن آداب الإسلام والدين وكنت أحب أن أستمع إليه أيضا. وكان يقص علينا الكثير من قصص القرآن الكريم، وكنت أقف دائماً متعجبة من عجائب مالا يقبله العقل. وعندما نتساءل عن كيفية حدوث مثل هذا أو ذاك، كانت حجتهم دائما أن علينا أن نؤمن كما جاءنا بدون نقاش، أو “عندما نكبر سنفهم أكثر”.
لم يكن الحال أفضل في المدرسة. فدروس الدين كانت تشوبها مشاكل من الفكر التقليدي. أذكر يوما أن إحدى معلماتي جزاها الله خيرا كانت تتحدث عن آية من القرآن الكريم لا أذكر ما هي، لكن تداخلت لدينا الأفكار وبدأنا بالسؤال كيف نوفق تعارض أقوالنا فيما يقوله القرآن؟ وقفت المعلمة وأخبرتنا أن هذه الآية نسختها آية ثانية في القرآن الكريم، ولم نكن نعلم شيئًا عن الناسخ والمنسوخ، فتحول السؤال إلى معنى النسخ في القرآن، فأجابت بأن الله تعالى أنزل آية في زمن معين تقتضي حاجة ذلك الوقت ثم أنزل آية تلغي الآية السابقة لتقضي حاجتنا في زمننا. فتعجبنا كلنا قائلين: أيغير الله سبحانه وتعالى كلامه ويتراجع عن ما قاله والعياذ بالله؟!. سكتت المعلمة ولم تعلم ما تقول غير أنها قالت: إن هذه العلوم ليست لكم، هذه فقط يعلمها الشيوخ، تورطت المعلمة مرة أخرى حيث قلنا: أنتم دائما تقولون لنا أن هذا دينكم ويجب أن تعلموه جيدا وتنتقدونا إذا ما بدا منا أي تقصير في امتحانات التربية الإسلامية، والآن تقولون: هناك علوم لا يعرفها إلا الكبار، ما هذا؟ وبدأ النقاش يحتد فسألتُ المعلمة: يا آنستي ألا يجب أن نطبق كلام القرآن الكريم؟ فإذا كانت هناك بعض الآيات التي يجب تجنبها، كيف لي أن أعلم أن هذه الآية نسختها آية أخرى ويجب عليّ عدم تطبيقها؟ لم تتمكن المعلمة من إجابتنا سوى أن تقول لا أدري، توقفوا عن هذه الأسئلة فأنا لا أقدر على إجابتكم. هذا الموقف لم أنساه وبدأت أشك أن هناك خَطبًا ما في علومنا الدينية، وبدأت أنتبه أكثر لما يقوله الشيوخ الذين كنت أستمع إليهم، ومللت من كلامهم وقصصهم المتكررة، وما جعلني أنفر أيضا من الشيوخ بعض أخلاقهم التي كنت أراها منهم، والتي تنافي أخلاق المسلمين عموماً، فكانت أقوالهم تنافي أفعالهم.
وصل بي الحال إلى الحيرة من جميع الناس بمختلف طبقاتهم الإجتماعية. وسألت نفسي هل هذا الدين هو أعلى الأديان منزلة، وهل وصلنا إلى قمة الأخلاق؟
لا شك أن الإسلام هو أسمى وأعلى الأديان خلقا ورحمة، لكن لم أر ذلك في المسلمين من حولي، لا أدري فيمن أقتدي. كنت أحب أن أطبق أحكام الشرع وأن أقوم بها، لكن كنت أتعثر أحيانا. كنت أقف لأهلي إذا أخطأوا لكنهم لم يكونوا يعيرون كلامي أي إهتمام، فكنت أشعر وكأني تائهة وحيدة بين أسرتي، حاولت أن أنخرط في مجالسهم لأواسيهم لكن أحاديثهم لم تكن تناسبني وكنت أحس أنني لا أنتمي فكريا لطبقتهم وأني فعليا أبحث عن مجتمع آخر أرقى فكريا ودينيا. ليس تكبرا إنما الأرواح جنود مجندة فكنت أميل لمن يرفع ديني وأخلاقي.
تخرجت من كلية الهندسة/ قسم تصنيع غذائي. وتعينت في أحد المصانع كمتدربة، وكنت أعتمد في تنقلاتي على المواصلات العامة، كان الناس كثيراً ما يناقشون مواضيعهم الخاصة والعامة في المواصلات، لفت انتباهي بعض كبار السن يتناقشون حول آخر الزمان وعن ظهور المهدي عليه الصلاة والسلام، جلست أستمع إليهم، فقال أحدهم: يا إخواني ألم تروا أن الفساد انتشر في كل مكان، ألم تروا أن البنيان قد تطاول، وذكر علامات أخرى لقرب الساعة، ثم أردف: أليست هذه علامات آخر الزمان وأن هذا الزمن بحاجة إلى مهدي؟.
قالوا: نعم.
فسأل: منذ متى تسمعون أن المهدي قد ولد؟
فقال البعض: منذ سنتين، وآخرين قالوا عشرين سنة وبعضهم خمسين سنة.
تعجبت من عدد هذه السنين.
فسألوه: إذا كان قد ولد فأين هو، ولماذا لم يظهر؟
فقال: اذهبوا وابحثوا عنه، إن نبينا الكريم قال:” فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبواً على الثلج، فإنه خليفة الله المهدي” وأضاف: معنى حبوًا على الثلج أن علينا أن نبحث عنه وأن في ذلك مشقة.
عندما قال ذلك شعرت وكأن روحي كانت غائبة عني وارتدت، وكأن أحدا كان يخرجني بحبل من الغرق، أنصت متلهفة إليه جيدا لما يقول.
والله إن كلامه صحيح، قلت في نفسي، وبدأت التفكير في هذا الأمر وكنت قلقة من ذلك، وأخذت الأفكار تذهب وتأتي دون أن أدري لمن ألتجئ.
بعد عدة شهور كانت خطبتي على ابن خالي من الأردن، كان هذا نقطة نجاتي حيث أن خطيبي، – حفظه الله وأطال في عمره- يقف بجانبي ويؤيدني ويواسيني. كان متدينا ولم يكن أحمديا في ذلك الوقت. وكان ينصحني في الدين ويدلني دائما على الخير. كان محبا للعلوم الدينية وشغوفا بسماع المحاضرات الدينية فكان يدعوني في كثير من الأحيان للاستماع لبعض الشيوخ الذين تأثر بهم بالرغم من أني قد مللت الاستماع إليهم، لكنه كان يشجعني على سماع شيوخه لأني لم أسمع شيء في بعض العقائد، وكنا كثيرا ما نتحدث في أمور الدين وكيف سنقيمها في بيتنا.
أمرني خطيبي أن نغلق حديثنا يوما ونذهب لنسجد سجدة شكر لله على إتمام الخطبة على خير، وفعلا قمنا لنسجد فبدأت بالصلاة ركعتين بدل السجدة، وصليت ركعتين لله شكرا له على إتمام خطبتنا، وفي كل سجدة كنت أدعو للناس أجمع، ولأهلي ولي ولخطيبي، بينما أنا أدعو في آخر سجدة لي من الركعتين قائلة: يا رب اهدنا الصراط المستقيم، عندها تذكرت ذلك الرجل وما قاله عن المهدي، وقلت: يا رب إن قول هذا الشيخ صحيح ولكني تائهة ولا أعلم كيف أبحث عن المهدي، فإن كان المهدي قد ولد فعلا كما قال هذا الشيخ فدلنا إليه وأرشدنا، وإن لم يكن قد ولد بعد فاجعله على يدي ابنًا لي، وأنهيت صلاتي والحمد لله، وكان لهذا الشيخ فضلٌ كبير لن أنساه فاللهم اجزه عنا خير الجزاء.
وقفت للحظة وقلت: كيف لي أن أطلب من الله أن يكون رجلٌ عظيم كالمهدي إبنا لي، فأنا لا أستحق أن أكون أمًا للمهدي! فأنا ديني وأخلاقي لا شيء لأربي رجلا عظيما كالمهدي.
في تلك الليلة رأيت في منامي أني أسير في نهر عكس التيار الذي كان شديدًا وكانت الأسماك تمشي معي، وكانت هناك تلاوة للقرآن بصوت خافت ومن بعيد. قمت من النوم مطمئنة ولكن كان لدي شك بأن ما رأيته كان رؤيا، ولم أخبر أحدا بها. في الليلة الثانية رأيت نفس المنام ولكن لم يكن هناك سمك بل كان هناك ضفادع تحاول أن ترجعني للوراء وصوت التلاوة كان أعلى وكان هدفي الوصول لذلك الصوت وكنت كلما اتجهت إلى الأمام باتجاه صوت التلاوة، أتعثر وأقع لوجود جزيرة رفيعة وسط النهر وكنت أحاول أن أمشي عليها بدلا من المشي في الماء الدافق بقوة والذي يحاول جري إلى الوراء. عندما استيقظت علمت أن هذه رؤيا وكأن الله سبحانه وتعالى يؤكد بأن ما رأيته هو رؤيا حقيقية وقصصت ذلك على خطيبي، والليلة الثالثة لم أستطع النوم أبداً لألم في أسناني، لكن في الليلة الرابعة رأيت نفس الرؤيا ولكن وصلت إلى جزيرة جميلة جداً ووقفت بها وكان صوت القرآن واضحاً جداً وكانت التلاوة في كل مكان حتى أنها كانت تسري في جسمي وكأن قلبي هو الذي يتلو القرآن الكريم، ولاحظت وجود جُزر أخرى كل واحدة أجمل من الثانية، فقلت يا الله لو كانت هذه الجزر لي، فجأة كأن شيء يقول لي سوف تكون جزيرتكِ مثل تلك ولكن عليك أن تزرعي؛ يا الله كم كانت الرؤيا جميلة، شعرت أنه من خلال هذه الرؤيا يريد الله عز وجل إخباري بشيء لكن لا أعلم ما هو، فأخبرت خطيبي بذلك وسألني إن كنت أعرف تفسيراً لها، فأجبته بأني لا أعلم كيف أفسر ولكن عساه خيرًا.
وبحمد الله تم زواجنا على خير أيضاً، وعشنا في مدينة حفر الباطن – السعودية في أول حياتنا، ولكن النقاشات في الدين بدأت تخف شيئاً فشيئًا.
وبعد عدة شهور انتقل زوجي إلى الرياض في السعودية لعملٍ جديد في بداية زواجنا، كان عمله طبيبا في مركز للأسنان، كان المركز جديد العهد ولم يكن الناس تعرفه بعد، فكان العمل خفيف وكان زوجي متفرغًا معظم الوقت فكان يقضي فراغه على الإنترنت.
في يوم من الأيام دخل عليه زميله الدكتور علي زيادنة وبدأا التعرف على بعض – كانت هذه اللحظة المباركة – كانت مواضيع الدكتور علي تتمحور حول الدين وقصص القرآن، وكان يناقش زوجي بحجج جعلته يحس أنه ضعيف أمامه ولا يقدر على رد أي من حججه.
بدأ زوجي يناقش الجميع فيما سمعه من زميله، وناقشني أنا أيضا كما هي طبيعتنا التي عهدتها منه قبل زواجنا. فبدأ يطرح علي أسئلة في قصص بعض الأنبياء، وقفنا عند قصة سيدنا صالح عليه السلام وناقته وكان الاختلاف أني أؤمن أن ناقة سيدنا صالح خرجت من الصخرة، كما كان أبي يقص علينا هذه القصة، وزوجي كان يقول لي أن الناقة لم تخرج من أي مكان، فاختلفنا في ذلك، فاتفقنا أن نبحث في الإنترنت، فكان هناك جواب ثالث يختلف عنا نحن الإثنين، وهو أن الناقة خرجت من شق الجبل حسب قصتهم، فبدأنا نتساءل عن سبب اختلاف القصص، ومن هنا بدأنا البحث والتفتيش عن الحقيقة وأي قصة هي الأصح.
سألني زوجي: إلى أي قصة تميلين أنها الأصح؟
فأجبته: لا أرى أي واحدة منها تستحق أن تكون صحيحة.
فسألني متعجبا: لماذا؟
قلت: لو أردنا أن نضع للقصص الثلاث شرطًا نرجع إليه مثل أن يكون للقصة مغزى أو فائدة وهو أساس القصص دائما فإني لا أرى توفر الفائدة في تلك القصص.
من عادة زوجي البحث والتنقيب وعدم الاستسلام، فبدأ بالتنقيب في الإنترنت حتى أن هذا الموضوع بدأ يشغله وهو في عمله. وكان الدكتور كل يوم في شرح جديد مع زوجي، حتى أنه رأى وهو جالس معه وكأن هناك إطارًا لصورة وعليها الكثير من الغبار، وكأن كلام زميله يزيل الغبار عن الصورة ليتضح أنها صورة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
عاد زوجي إلى البيت بعد أن جلس مع زميله، وسألني سؤالا: إذا كان ناقة سيدنا صالح عليه السلام خرجت من الصخرة فيجب أن يخبرنا القرآن الكريم بذلك، أليس هذا صحيح؟
أجبته: نعم، هذا صحيح
ثم قال: أين ذكر في القرآن أن الناقة خرجت من الصخرة!؟
وقفت للحظة متعجبة، وأخذت بيدي القرآن الكريم سائلة نفسي أين قرأت ذلك في القرآن؟
فقال زوجي: مهما بحثت في القرآن لن تجدي ذلك.
سألته: إذا أين المعجزة؟
بدأ زوجي يشرح لي معنى المعجزة كما شرحه له الدكتور _ أكرمه الله وبارك فيه _ وشرح لي القصة على حقيقتها، فأصبحت أرى أن للقصص فائدة وعبرة. بدأت أتساءل عن مصدر هذه المعلومات، فأخبرني زوجي عن زميله الدكتور.
في اليوم التالي سألت زوجي عن معجزة مريم عليها السلام: إن كان القرآن الكريم فيه سنن الكون كلها فكيف تكون معجزة الولادة دون أب سنة كونية؟
فأجابني زوجي مواسيا: إني تساءلت مثلك تماما، إن هناك علوم لم يطلعنا الله عليها جميعها، وأن عقل الإنسان محصور فيجب أن نؤمن بالغيب.
أحسست أن هذه المعلومات كنز يجب أن نقتنيه نحن أيضا، فبدأت أسأل عن المصدر الذي يقرأ منه زميله، وطلبت منه أن يأتي بالكتب لنقرأها.
ذهب زوجي للعمل وطلب منه أن يطلعه على الكتب التي يقرأ منها، ولكنه لم يجبنا. أخبرني زوجي بذلك، فأجبته متسائلة: لماذا؟ وهل العلم حكر على أحد؟ إن ما لديه كنز ويجب أن نقتنيه نحن أيضا!! وإلا سيكون جبانا، وسيكون ما لديه لا شيء. وقفنا بحيرة من أمر ذلك الدكتور، كان زوجي يفكر بأن يطلب منه مرة أخرى تلك الكتب.
في اليوم التالي ذهب زوجي سائلا إياه عن عدم إطلاعنا على كتبه، فسأله الأمان، فأعطى زوجي له الأمان الذي طلبه الدكتور، فقال له: إني أبشرك بغلام.
تعجب زوجي: ماذا تقصد؟
قال: جاءكم المهدي _ عليه الصلاة والسلام.
وبدأ يشرح له عن المهدي وجماعته…
كان زوجي في صدمة جعلته متجهما وغارقا في كهف التفكر. كان يأتي إلى البيت لا يتكلم، وكان في سكون لم أر مثله. تركت زوجي مستغربة متسائلة عما أصابه؟ ولكن خفت أن أفتح معه موضوع سكوته هذا معتقدة أن هناك مشكلة في عمله وصاحب العمل، ولم أرد التدخل.
خلال حيرته رأيت يوما أن نورًا دخل بيتنا في ساعة العصر، كان ذلك النور مثل نور وسط ساعة الظهيرة لكنه كان يغمر كل البيت حتى مطبخي المعتم قد أضاء فيه النور بشكل غريب لم أره من قبل، تحيرت وسألت نفسي من أين يأتي هذا النور وقمت أتفقد ماذا يحدث، حينها جاء في قلبي شعور جميل جدا كأن أحدا يخبرني بوجود نبي في الدنيا. استغربت من يكون نبيا في هذا الزمن؟ وكان هذا الشعور يزداد يوما بعد يوم، كنت في البداية خائفة من إبداء هذا الشعور خوفا من تكذيب زوجي واعتباري مجنونة. حين اشتد علي ذاك حتى أني شعرت قلبي يعتصر، قررت التحدث لزوجي حتى لو ضربني.
حين جلست مع زوجي للتحدث معه، فاجأني بأنه يريد التحدث معي في أمر.
قال لي: أريد أن أطلعك على شيء، ولا أدري إلى من ألتجىء، وأريد الرأي منك.
قلت له: رأيتك في سكون ولم أرد إزعاجك، وكنت أتساءل عن الذي يشغل بالك، هل هناك ما يضايقك؟
قال: هل تدرين ما هي القاديانية؟
قلت: لا.
قال: الأحمدية؟
قلت: لا أعرفهما.عن ماذا تسألني؟ إني لا أفهم عليك، هل تريد القاديانية أم الأحمدية؟
قال: كلاهما اسمين لنفس الجماعة.
سألت: ما بها هذه الجماعة؟.
قال: هذه جماعة قد أخذنا عنها في المدرسة أنها من الفرق الضالة.
قلت: كيف ضالة؟ ما معنى هذا الشيء.
قال: أي أنها فرقة كافرة.
قلت: ما بك يا رجل! إذن ابتعد عنها.
قال: إنك لم تفهمي.. الرجل الذي كان يخبرنا عن القصص وأردت الكتب منه هو من تلك الجماعة؟
سألته متعجبة: كيف هذا؟ هل يقولون أشهد أن لا إله إلا الله…؟
قال:نعم.
قلت: كيف يُكفَّرون إذن؟ ليس لنا الحق بتكفير أحد يشهد أن لا إله إلا الله. وضربت كفي في الحائط كَوني متأكدة مما أقول ولكن ليس عندي ما يقنع.
قال: هذا رأيُك؟
قلت: اسمع أنا لست ممن يحبون الفرق والأحزاب هذه، قل لي ما الذي يميز هذه الجماعة عن غيرها، فمعظمهم أهدافهم سياسية، وليس لهم في الدين أي نصيب.
قال: هذه الجماعة تؤمن أن المهدي قد جاء وولد.
صدمت وقلت متعجبة ومتلهفة: كيف هذا! أين هو؟
قال: جاء وعاش وقد توفاه الله!
صدمت مرة أخرى وأدرت وجهي للحائط لا أدري كيف جاء ولِم لَـم نعلم عنه شيء!!!
بدأ زوجي يشرح لي عن الجماعة وأن لها خليفة وأننا الآن في عهد الخليفة الخامس للمهدي عليه السلام، وأراني إياه على صفحة الإنترنت، ومن صدمتي فكرت أن الخليفة هو المهدي، وقلت له: أهذا المهدي، أرني المهدي فقال هذا هو الذي بجانبه. وأخبرني أن الجماعة تتعرض للاضطهاد، لذلك لم نسمع عنها فالكل يحاول طمسها، كما كان الكفار يحاولون طمس الإسلام حتى لا يشاع الدين، لذلك لم يكن يريد الدكتور اطلاعنا على الكتب إلا بعد أن نعطيه الأمان.
قلت: يجب أن نقرأ ونبحث في كتبهم ونسأل عنهم، وأضفت: أنا مسافرة هذا الأسبوع إلى أهلي وسأسأل أبي عنهم عسى أن يفيدنا بشيء، وأنت بدورك اسأل من تعرفهم.
وصلت القدس بحمد الله وكما عاهدت سألت عن الأحمدية فأجابني أبي بقصة دارت بين شيخه والجماعة الأحمدية الذين أتوا للتبشير في ألمانيا ذلك الوقت، فقال: جلسوا وسمعنا لهم، وسألناهم سؤال فحواه: أنتم تعتقدون أن إمامكم هذا نبي، ولكل نبي معجزة على الأقل، فما معجزة نبيكم؟ فلم يجيبوا وسكتوا؛ وهكذا أقيمت الحجة على الجماعة الأحمدية كما يعتقدون. لم تكن القصة بالشيء العجيب بالنسبة لي وكأن القصة لم تهمني.
فأخبرت زوجي بقصة أبي كما هي ولكني كنت في حيرة من أمر تلك الجماعة، وكان الدكتور قد أخبر زوجي بأن يستخير الله، فطلب زوجي أن أقوم بذلك أيضا، فقلت نعم هذا جيد ويجب علينا أيضا أن نقرأ على الأقل كتابًا من كتبهم، فاتفقنا على أن نقرأ كتاب شروط البيعة، على أن أقرأ أنا أول خمسة شروط وهو يقرأ آخر خمسة ثم نشرحها لبعضنا، وبدأت بقراءة الكتاب فتفاجأت بأن لكل شرط شرح طويل، بدأت بالقراءة وكلما قرأت كنت أحس برغبة لأن اقرأ أكثر، لم أتمكن من التوقف وأكملت الكتاب كله، وعندما جاء ثاني يوم لأشرح لزوجي، قلت معلقة: إن هذه الشروط لا أقدر على أن أختصر كلماتها وألخصها لك، فكل كلمة فيها مهمة جدا، وبين كل سطر وسطر كأن هناك سطر آخر، وهذه الشروط يجب أن تكون متوفرة فعلا في الإنسان المسلم؛ أجابني وسأل: أقمت بالاستخارة؟ فأجبته بالنفي فقال لي: أنا استخرت الله وقرأت الشروط مختصرة في أول الكتاب، وأريد أن أُبايع.
سألته: وماذا رأيت؟
أجاب: رأيت أن سمكة كانت تحت قدم زوج أختي وقفزت إليّ تحت قدمي.
قلت: ما معنى ذلك؟
قال: معنى السمك حسب تفسير الرؤيا هو مكان العبادة أو الرزق.
لا أعرف كأن شيئا من الغيب كان يطمئنني وكأنه بدأ يؤول رؤياي التي رأيتها قبل زواجنا، فقلت له: انتظر فأنا أريد أن أبايع معك. وتمت بيعتنا بحمد الله عند رجوعي إلى السعودية، وكانت لها بركات وأفضال كثيرة علينا.
بعد عدة أيام من بيعتنا تعرفت على زوجة الدكتور، كانت هادئة الطبع لطيفة ولينة، وكانت تسألني عن كيفية بيعتنا وتطرقنا لموضوع نبوة سيدنا المهدي عليه السلام، لم تكن لدي أدنى فكرة عن وجود نبي بعد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كما هو الحال عند عامة المسلمين، بل كنت أتساءل عن نبوة المهدي عليه الصلاة والسلام. وذلك لحديث جرى بيني وبين أبي في صغري إذ جاء يوما وحدثني عن مجيء المهدي عليه السلام، وكنت متعجبة من معرفة أبي أنه سيأتي رجل عظيم اسمه المهدي، فسألته كيف علم بذلك؟ فأجابني: إن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أخبرنا به.
تعجبت: وكيف علم سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام بذلك؟
فقال: يا أبي إن من سنة الأنبياء أن كل نبي يخبر عن نبي يأتي بعده.
دار في ذهني أن المهدي نبيا حسب قول أبي فسألته: أي أن المهدي نبيا؟
قال متنهدا: بإذن الله يا بابا يخرج المهدي في عهدكم وتسألينه إن كان نبياً أم لا. الظاهر أن أبي يعلم أن هناك اختلاف في نبوة المهدي عليه السلام فلم يجبني بما لا يعلم عنه شيئا.
غادر أبي الغرفة وقلت في نفسي: ما دام كل نبي يخبر بنبي إذن سيدنا المهدي نبي أيضا، نمت مرتاحة البال وانتظرت ذلك الوقت الذي يأتي به المهدي. فعندما حدثتني زوجة الدكتور بنبوته لم تكن معضلة بالنسبة لي.
وعرفتنا أسرة الدكتور على حلقات الحوار المباشر، كنا نحب أن نستمع إليها، في البداية كنت أحاول أن أنصت لهم بكل همتي لأعلم الكثير عن الجماعة، لكني كنت آمل أن تكون الاتصالات في الموضوع الذي يطرحونه، أما زوجي فلم يأبه لذلك.
وبدأت أتعرف على برامج أخرى أعجبتني كثيرا وخاصة سبيل الهدى وبعد حين قراءة في الصحف، والسيرة المطهرة بأجزائها وتعالوا نقرأ في هذا الكتاب لمصطفى ثابت ذلك الملاك البشوش، وكنت أحب الاستماع للأستاذ فتحي عبد السلام، لم أفهم لكلام الأستاذ فتحي في البداية لكن بعد حين فهمت أن أسلوبه فلسفي جميل، له روح في عالم الأحمدية تختلف عن الآخرين، وتعرفنا على باقي أسرة الأحمدية التي عطفت وضمتنا إليها، وتعرفت على شخصية الخليفة الرابع، ما أجمل ابتسامته حتى زوجي أحبه كثيرا – رضي الله عنه ورحمه.
بدأت أخبر أسرتي بأني أحمدية، وانتشر الخبر عند أهل أبي وأمي، وخاصة في أهل أمي. بدأ بعضهم ممن لا يعلمون شيئا عن الأحمدية يتساءلون، وكانت نصيحة بعض الأقارب أن أبتعد عنهم بينما قال بعضهم الآخر: إن مرضك المزمن هذا هو عقاب من الله لأنك اتبعت هذه الجماعة، وكانت أحيانا تدور بيني وبين قريب لي ملتزم بالدين وأحب نقاشه، وهو معروف عندنا بتصوفه، حوارات عن الجن والقتال باسم الدين، لكن لم أكن قوية جدا بالحوار وكنت أتعثر أحيانا بالرغم من اعتراف القريب بقوة الحوار والأدلة التي كنت أطرحها لذلك بدأت أقرأ في كتب الجماعة أكثر حتى لا أتعثر في قولي معه، إذ أنه – أو حتى كل من أناقشه – لا يريدون أن يرجعوا إلى الجماعة ولا يريدون أن أقرأ لهم أو يقرأوا من كتب الجماعة. ومن أهم الحوارات التي دارت بيننا هي حين كان قريبي يومًا يناقش أبي على جنب وأنا أراقبهم فقال له: أنظر، ونادى علي قائلا: “فبهت الذي كفر”!
نظرت إليه متعجبة ما الذي يريده؟ قلت: لم أفهمك، فأجابني بأن هذا يكفي فأنت بهتِّ عندما قلت لك هذه الجملة، ألا تعلمين ما الذي حدث مع سيدنا إبراهيم عليه السلام والنمرود حين بهت؟
قلت: نعم، ولكني لم أفهم. (قلت “بلى” اعتمادا على علمي بالقصة الخرافية التي كنت أؤمن بها قبل الأحمدية)
قال: يكفي أنك بهت عندما قلت لك هذه الجملة وسكتّ.
قلت في في نفسي أنه والله لا يعلم ماذا يقول، ولكن حزنت كثيرا وبدأت أسأل الله وكأن شيئا في قلبي: يا الله هل هذا القول ينطبق علي، لماذا جعلت عبدك (قريبي) ينطق بهذا؟ يا الله قد أحسنت الظن بك وأحسنت الظن بالمهدي فهل أستحق هذا؟
توجهت فورا للتفسير الكبير وبدأت أقرأ بتفسير تلك الآية، وبعدها أُثلج صدري وأحسست بالاطمئنان.
جاء قريبي في يوم آخر لوحده زائرا، سلمت عليه فأقعدني بجانبه وسألني: أنتم تّدعون أن المهدي نبي، فهل سيأتي نبي بعد نبيكم هذا؟
قلت له وأحسست أن الله سيؤيدني: أريد أن أجيبك على سؤالك، ولكن قبل أن أجيبك أريدك أن تجيبني على سؤالي، ولا تعتبر سؤالي وقاحة مني أو ما شابه بل أريد أن أجيبك فقط، وسألته: قل لي لو أراد الله أن يأتي بنبي بعد نبينا إن كان المهدي أو سيدنا محمد عليهم الصلاة والسلام ولا أحد يقف عند إرادة الله عز وجل كما تعلم، فهل هو قادر أم غير قادر على خلق نبي آخر؟! سكت القريب ولم يتمكن من الإجابة نظرت إليه ورأيت أن عيناه قد تجمدتا في مكانهما وأحسست أن الآية “فبهت الذي كفر” انطبقت عليه، ولكن أردته أن يجيب على سؤالي حتى يطمئن قلبي فقلت له: أنت تقدر على إجابتي فلا تخف لن أثقل عليك، فقال لي: نعم إنه قادر.
أجبته: إذن هذا هو جواب سؤالك، ثم إستأذنته وتركته لتفكيره، وحزنت عليه لكونه لا يدرك ما الذي آل إليه.
منذ ذلك الوقت أحسست أن الله معنا. فإذا ما قرأت شيئًا للإمام المهدي ولم أفهمه، كنت أدعو الله أن يفهمني إياه، وفعلاً كنت أرى الإجابة تتراءى أمامي، وإذا تناقشت مع زوجي وسألني عن شيء في الدين لا أعلمه، كان الله أيضًا يجيبني بعد حين، وكنت أخبر زوجي بما علمت. لقد أحيت الأحمدية فينا روح السؤال والتفكر من جديد.
وأول ما بدأت بقراءة كتب الإمام المهدي عليه السلام كان كتابه “إعجاز المسيح” الذي أثر على أسلوب صلاتي وكيفيتها، وأشار زوجي لكتاب فلسفة تعاليم الإسلام الذي أثر على أخلاقي وعلى تفكيري في الجنة، وبدأت الغشاوة تزال عن عيني عندما قرأت كتاب إزالة أوهام الذي جعلني على يقين بأن المهدي عليه الصلاة والسلام هو نفسه المسيح المنتظر.
وكان لخطابات الخليفة نصره الله تأثير في إصلاح اعوجاج أعمالنا، وكانت الجماعة ترشدنا حول القيادة في هذه الجماعة حتى لا نقع في أخطاء، وكأنها معنا في كل لحظة من حياتنا، تغير كل شيء في حياتي، وزالت جميع المخاوف التي كانت هاجسا لي، وعرفت كيف أتعامل مع المجتمع الذي حولي والذي لطالما لم أفهمه.
وكنا نرى الكثير من الرؤى التي أثرت في نفوسنا، وكان بعضها يتحقق، وبعضها الآخر يشعرنا بالطمأنينة، حيث كنا نرويها لبعضنا.
وبدأنا نتعرف على الأسر الأحمدية، فعرفونا على بعض نظم هذه الجماعة المباركة وكيف نتواصل مع خليفتنا – رضي الله عنه وأرضاه – وبدأنا نكتب له الرسائل وكنا ننتظر الردود متلهفين لكنها كانت تصل متأخرة، وكان زوجي يرسلها لي حتى أراها، في أول رسالة طلبت منه الدعاء لي لأني مقبلة على عملية جراحية خطيرة وكانت متعسرة على الأطباء في بلدي، بل وعلى معظم الأطباء في الخارج أيضا، وكان الطبيب الوحيد في سويسرا الذي يسره الله، واثقا من نجاح العملية وأعلمنا بأنه أجرى هذه العملية لعدة مرضى سابقًا، والحمد لله أتمها على خير، وكان لدعاء الخليفة نصره الله وأرضاه فضلا كبيرا علينا بفضل الله. وكنت دائما أقص قصة مرضي وخطورة وضعي الصحي وصعوبة استئصال المرض وكيف اعتذر كثير من الأطباء عن القيام بإزالته إلا أن رحمة الله تداركتني بفضل الدعاء. كنت أقص هذه القصة على الناس والأطباء وكانوا يتعجبون مما أقول وكانت الأدلة دائما في حوزتي لأريهم إياها، وكنت أؤكد لأبي أن هذه العملية معجزة من عند الله.
نحمد الله على منته علينا وندعوه بأن يتقبل منا، وينصر هذه الجماعة ويظهرها على الدين كله. آمين.