منقول من مجلة زاد المسلمة
بسم الله الرحمن الرحيم
هي خنساء بنت عمرو بن الشريد وقد قدِمتْ على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قومها من بني سليم فأسلمت معهم، وكما ذكرتِ كانت شاعرة فذة من أيام الجاهلية واستمرت بإلقاء الشعر في الإسلام حتى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعجبه شعرها، وكانت تقول الشعر أمامه فكان يقول: «هيه يا خناس» ويومىء بيده.
وكانت الخنساء في أول أمرها تقول البيتين والثلاثة حتى قتل أخوها لأبيها وأمها معاوية بن عمرو وصخر أخوها لأبيها وكان أحبهما إليها لأنه كان حليمًا جوادًا محبوبًا وبعد مقتلهما أكثرت من الشعر وأجادت
وهناك قصيدة شهيرة فيما قالته في أخيها صخر:
أعينيّ جودا ولا تَجْمُدا ** ألا تبكيان لصخرِ الندى
ألا تبكيان الجريءَ الجميل ** ألا تبكيان الفتى السيّدا
طويلَ العماد عظيم الرما ** د ساد عشيرَته أمردا
وقيل أن أهل الشعر قالوا لم تكن امرأةٌ قط قبلها ولا بعدها أشعر منها.
حضرت الخنساء حرب القادسية في العراق مع أبنائها الأربعة وذلك زمن سيدنا عمر رضي الله عنه في السنة الرابعة عشر للهجرة. كان جيش المسلمين بقيادة سعد بن أبي وقاص وكانت الخنساء من النسوة اللواتي اشتركن في المعركة فكن يطعمن ويسقين الجيش ويداوين الجرجى، واشترك معها في هذه المعركة أربعة من أبنائها فكانت تحثهم على القتال وعدم الفرار لأن الجيشين الإسلامي والفارسي لم يكونا متكافئين، فقد كان عدد الفرس أكبر بكثير كما استخدموا عددًا كبيرًا من الفيلة فكان اليوم الأول شديدا جدًا على المسلمين، وهكذا تولت الخنساء مهمة حث أبنائها على الثبات مهما كلف الأمر فإما النصر أو الشهادة.
ومن ذلك أنها قالت لهم “إنكم أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، وإنكم لأبناء أبٍ واحد وأم واحدة، ما هجنت آباءكم، ولا فضحت أخوالكم، وإنكم لتعلمون ما أعد الله من ثواب .. اعلموا أن الدار الباقية خير من الدار الفانية، ثم قرأت قول الله تعالى “يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تُفلحون”
وفي اليوم الرابع من المعركة لما أصبح أبناء الخنساء باشروا القتال واحدا بعد واحد حتى قتلوا، وكل واحد منهم كان أنشد قبل أن يستشهد أبياتا من الشعر، فأنشد الأول:
يا إخوتي إنّ العجوز النّاصحه … قد نصحتنا إذ دعتنا البارحه
بمقالة ذاتَ بيان واضحه … وإنّما تلقون عند الصّائحه
من آل ساسان كلابا نابحة
وأنشد الثاني:
إنّ العجوزَ ذاتُ حزمٍ وجلد … قد أَمَرتْنا بالسدادِ والرّشد
نصيحةً منها وبِرّا بالولد … فباكروا الحربَ حُماةً في العدد
وأنشد الثالث:
واللَّهِ لا نعصي العجوزَ حَرْفًا … نُصحا وبِرّا صادقا ولُطفا
فبادروا الحربَ الضّروسَ زحفا … حتّى تَلُفُّوا آل كسرى لفّا
وأنشد الرابع:
لستُ لخنساءَ ولا للأَخْرَمِ … ولا لعمرٍو ذي السَّناءِ الأقدم
إنْ لم أُرَدْ في الجيشِ جيش ِالأعجم … ماضٍ على الهولِ خِضِمٍّ حضرمي
وقد بلغها هذا الخبر وما قالوه قبل استشهادهم، فقالت: الحمد للَّه الّذي شرفني بقتلهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقرّ رحمته.
وكان سيدنا عمر بن الخطاب يعطي الخنساءَ أرزاقَ أولادها الأربعة حتى توفاه الله.
قصة لها مع السيدة عائشة رضي الله عنها:
يقال إنها دخلت على عائشة رضي الله عنها وعليها صِدَارٌ من شعر، فقالت لها: يا خنساءُ، هذا قد نهى رسولُ اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عنه، فقالت: لم أعلمْ بهذا، ولكن لهذا الصدار قصة، زوّجني أبي رجلا مُبذّرا فأذهب ماله، فأتيت إلى صخر (يعني أخوها) فقسم ماله شطرين، فأعطاني أفضل شطر، ثم فعل زوجي ذلك مرة أخرى (يعني عاد لتبذير الأموال مرة أخرى)، فقسم أخي ماله شطرين فأعطاني خيرهما، فقالت له امرأته: أما ترضى أن تعطيها النصف حتى تعطيها الخِيار (يعني لا يكفي أنك أعطيتها النصف وتعطيها أفضله أيضا) فقال:
واللَّهِ لا أمنحُها شِرارَها … وهي الّتي أرْحَضُ عني عارها
ولو هلكتُ خرَّقَتْ خِمارها … واتّخذت من شَعَرٍ صِدَارَها