بقلم الاخت دعاء منصور عودة
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله, أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم
قل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَايَصْنَعُونَ {31} وَقُل لِّلْمُؤْمِنَات يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُواإِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {32} (سورة النور 31-32)
لقد جعل الإسلامُ من مبادئه الجوهرية اتخاذ كل التدابير التي تُعلي من قدر العفةِ والإخلاص والتحفظ والحياة الطاهرة النظيفة. فالتأكيد على حياةٍ عفيفة.. معزولة عزلًا كاملًا عن مخاطر التلامس الكهربي للحوافز الجنسية هو أحد المقومات الهامة للمجتمع الإسلامي. فللإسلام رسالة واضحة وخطط محددة بها يصونُ ويحمي ويحفظ نظام الأسرة العالمية, ويعيد بناءها حيثما تهدمت.
وبسبب الفصل بين الجنسين يستنكرُ أهلُ الغرب ضرورة الحجاب في النظام الاجتماعي الإسلامي, وينشأ سوء الفهم هذا جزئيًا نتيجة لسوء تطبيق التعاليم الإسلامية الحقة في معظم المجتمعات الإسلامية ، ناهيك عن ذلك الدور السلبي الذي تلعبُه أجهزة الإعلام الغربية ذات المصالح المُغرضة.
فيجب فهم تعاليم الفصل بين الجنسين على أنها ليست ثمرة استعلاء رجولي بل قُصد بها أن تعيد الاعتدال للحوافز البشرية.. وتنقلها نقلة نوعية من الحالة الطبعية إلى الحالة الطبيعية ، فبدلًا من أن تنطلق كريحٍ هوجاءَ في المجتمع.. يوضع لها نظام مبرمج كي تؤدي دورها البنّاء الذي يحفظ بني نوع الإنسان كالذي تؤديه القوى المسخّرة في الطبيعة.
يحظر الإسلام بشدة الاختلاط السائب بين الجنسين, ويمنع كلا الجنسين من الإتصال بطريق النظر او التلامس الذي قد يؤدي إلى إغراءات ومقدمات للفجور يتعذر السيطرة عليها. ويتوقع الإسلام من النساء أن يسترن أنفسهن باحتشام, ويوصيهن ألا يتصرفن بطريقة تجذب انتباه ضعاف النفوس من الرجال. فيُدرَك مفهوم الفصل بين الجنسين في سياق التدابير المقررة لصيانة قداسة العفة الأنثوية وشرف النساء في المجتمع.. ولتقليل المخاطر المترتبة على انتهاك تلك التدابير إلى الحد الأدنى.
يقول حضرة المسيح الموعود عليه السلام في كتابه فلسفة تعاليم الإسلام تعقيبًا على الآية التي ذكرتها في مستهل كلمتي ما يلي:
“بما أن الله سبحانه وتعالى يريد أن تبقى أبصارنا وقلوبنا وخواطرنا جميعها مصونةً, لذلك فقد أرشدنا لهذه المبادئ السامية. فأي شك في أن التحرر المطلق يؤدي للعثار والسقوط؟ أوَليس من الخطأ الفاحش أن نضع أمام الكلب الجائع أرغفة ناعمة.. ثم ننتظر منه أن لا يمر بباله أي خاطر عن الرغيف؟ لذلك فقد أراد الله تعالى ألاّ تتاح للقوى النفسانية فرصةُ نشاط خفيٍّ أيضا, ولا أن يتعرّض الإنسان لموقف يهيِّج خواطرَ السوء فيه. هذه هي الحكمة في الحجاب الإسلامي, وهذه هي الهداية الشرعية فقط. لم يقصد كتابُ الله بالحجاب اعتقالَ النساء وحراستهن كالأسرى. ذلك ظن الجهلة الذين لا يدرون من السُّنن الإسلامية شيئا. المقصود من الحجاب الإسلامي كفُّ النساء والرجال جميعًا عن إلقاء نظراتٍ حرة, وكشفِ زيناتٍ للجانب الآخر, وتبرُّج الجاهلية.. لأن في الكف عن كل ذلك مصلحة للجنسين.
يستمر حضرته ويقول: كما يجب أن نتذكر أيضا أن غض البصر في لغة العرب هو أن يرى الإنسان بعين فاترة.. بحيث يصون نظرَه عما لا تحل رؤيته, ولا ينظر إلى ما لا يجوز النظر إليه. وكل من يود تزكية نفسه لا ينبغي له أن ينطلق ببصره كالحيوان حيث يشاء من دون قيد ولا ضابط, وبهذه العادة المباركة تتحول عادته الطبعية هذه خُلُقًا عظيمًا دون أن ينقص من ضروراته الإجتماعية من شيء, وهذا هو الخلق الذي يسمى الإحصان والعِفَّة.”
أخواتي الكريمات, إن الإسلام الحنيف حريص على حفظ المرأة في أرفع المقامات، فهو يحفظ لها مكانتها في مجتمعها، ويصونها عما يزري بكرامتها، فأمرها بالحجاب ليحصنها من هجمات الشياطين فكما أن القرآن وصف الأنثى المتزوجة بالمحصنة لأن زوجها هو خط الدفاع الأول عنها فكذلك الحجاب فهو بمثابة حصن حصين يدفع عنها الكثير من البلايا والفتن.
فيجب أن يوضع في الحسبان أن الإسلام لم يفرض هذه الضوابط على المرأة المسلمة في الملبس والزينة وما إلي ذلك من ضوابط إلا ليصونها ويحفظها من عبث العابثين ، فيجعل المرأة المسلمة كالدرة المصونة، وكاللؤلؤة المكنونة التي لا تصلها الأيدي الآثمة.. يقول الله عز وجل: ياأَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكانَ الله غفورا رحيما
وفي قوله “ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين” إشارة عظيمة إلى أن المرأة المحجبة وإن كان حجابها ليس من دافع التقوى إلا أن هذا الحجاب وبشكل عام يمثل خط دفاع أول لها . وفي حياتنا اليومية نرى أن الشباب يستسهلون سؤال البنت السافرة (غير المحجبة) عن البنت المحجبة حتى ولو كان السؤال في أمور هامة وعامة.
فكما أنكِ إذا ذهبت إلى متجر ما فإنك لا تجرؤين على لمس البضاعة المغلفة والمصفوفة على الرفوف ومعاينتها إلا بعد استئذان البائع . وأما البضاعة التي يخفض ثمنها _ تنزيلات _ فأحيانا ينزع البائع عنها الغلاف وترينها ملقاة هنا وهناك.
ثم إن الحجاب الأمثل الذي هو أعمق من الصورة المادية للحجاب هو حجاب النفس فهذا الحجاب لا يمكن للشيطان أن يخترقة ولا لنسمة هواء أن تخلعه . لأنه حجاب مرسخ بحب الله وتقواه فلا يمكن لإعصار اقتلاعه فالمرأة في هذه الحالة تدرك أن هذا الجسد لها وحدها ولا يمكن لأحد انتزاع رؤية شعرة واحدة منه إلا بكتاب الله وهذا هو جوهر الحجاب.
وقد تذهب بعض النساء إلى الخروج سافرات لزعمهن أنهن نساء مستقيمات السلوك ولا يستطيع الشيطان استمالتهن. ولكن هذا باطل بداهة فطالما أنهن مسلمات فعليهن التمسك بآيات القران الكريم حيث قال تعالى ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة لأن الإنسان كما قالت الآية الكريمة خلق من ضعف, وهو يتغير بتغير الزمان والمكان ولا يمكنه الثبات على وضعية ما..
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صنفان من أهل النار لم أرهما. قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس. ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رؤسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها. وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا” (صحيح مسلم)
والمقصود من نساء كاسيات عاريات أنهن سيغطين أجسادهن ولكنهن يظهرن عاريات رغم كسوتهن ورغم حجابهن فهذا تنبيه للواتي يكتسين ويحتجبن ولكنهن يظهرن عاريات فيقال لهن أن المقصود من اللباس أن لا تظهر مفاتنهن وزينتهن فإذا ظهرت المفاتن أو الزينة وأملن النظرات إليهن فهن يُعتبرن كاسيات عاريات.
قال سيدنا الخليفة الرابع رحمه الله: ألقى الله سبحانه وتعالى في قلبي قولًا شديدًا أن تعلن النساء الأحمديات الجهاد على السفور والتبرج! لأنه إذا تركتن هذا الميدان فمن اللواتي يتقدمن لحماية هذه القيم السامية في الدنيا بعدكن؟! (الفضل 28 فروري 1983)
وقال في مناسبة أخرى عن الحجاب: الصبايا اللواتي يترعرعن هنا (في أوروبا) يعانين من مشكلة نفسية بفهمهن أن تغطية الرأس فكرة بالية. ولهذا يتقدمن إلى الله عز وجل مترددات بدل أن يتقدمن إليه تعالى بقلب منفتح. وفي حقيقة الأمر يسألن الله أن يتقبلهن وحجابهن كاليهودي الذي يضع خلف رأسه طاقيته الصغيرة كالكوب! ويسألن أن تُقبل هذه الخطوة غير الكاملة المقدمة إليه تعالى! ولكن إذا فعلتن ذلك فهذا غير لائق تماما لأجل الله سبحانه وتعالى. ألا إن أحسن ما في ملامح المرأة وألفت للنظر إليها هو شعرها وخاصة المتدلي على الوجه. وشاهدت بعض الصبايا أنهن إذا غطين رأسهن يجعلن شعرهن ينسدل إلى الإمام.وبهذا يتخيلن أنهن يظهرن من المجتمعين كليهما: من المجتمع الإسلامي الملتزم والآخر المتحرر. ولكن هذا لا يجوز. وعليكن بالاستقامة!
وأريد أن أنبهكن على أن تسأل كل واحدة منكن قبل تغطية الرأس أو الحجاب نفسها: هل أنا أكترث لله سبحانه وتعالى أكثر أو لغيره؟وإذا كان الجواب أنني أهتم بأمر الله سبحانه وتعالى أكثر. فاستغنين عن مديح البشر!! ليقولوا ما يريدون.لا شيء يهم. ولا يبقى إلا الله سبحانه وتعالى فقط! وهذا هو السؤال المهم الذي لا بد أن تطرحه كل واحدة منكن على نفسها قبل تغطية الرأس أو قبل أن تختار الحجاب.وإذا كان القرار بأن شعر رؤوسكن يبالي فقط بالله سبحانه وتعالى فلا تكتثرتن لأقوال الناس مثقال ذرة (محاضرة في اجتماع الأطفال98-6-6)
قال سيدنا الخليفة الثالث رحمه الله: القرآن أمر بالحجاب, فعليهن (النساء الأحمديات) أن يحتجبن على كل حال أو ليتركن الأحمدية! لأن موقف جماعتنا هو عدم السماح بالتهاون لأمر ورد في القرآن الكريم سواء بالقول أو العمل. لأن هداية الدنيا ورعايتها تتوقف عليه. (الفضل 25 نومبر 1978)
وفقنا الله تعالى أن نعرف مقامنا في هذا العصر ونتفاخر بشريعتنا الغراء فبدلاً من أن ننجرف وراء الدجال وأفكاره البالية فيما يزعمه من الحرية الزائفة للمرأة وحجابها والشعارات التي يطلقها هنا وهناك لتحرير المرأة من كل ما يحفظ لها عفتها وطهارتها .. يجب علينا أن نأتسى بأسوة نساء أشرف الخلق أجمعين صلوات الله عليه وأتم التسليم وصحابياتهن رضوان الله وسلامه عليهن أجمعين.. اللهم وفقنا لذلك.. اللهم آمين.